الاثنين، 17 أبريل 2017

ايامي الفي الدويم (6) بخت الرضا والفكي عبدالرحمن




ايامى الفى الدويم
كتابة تذكارية في الر‘جعي والحنين
محمد امين ابوالعواتك
(6)
بخت الرضا...والفكي عبد الرحمن
من اللحظات التاريخية التي لاتنسي لاي جيل من الاجيال في كل المدن السودانية بلا استثناء وليس الدويم فحسب هي فترة الصبا  ، ومشوار الصباح فيها الي السوق بغرض شراء الاحتياجات  المنزلية والتي كانت تتم يوميا في ذلك الزمان، فلم تكن الثلاجات منتشرة في كل البيوت وهكذا حال اجهزة التلفزيون، فالراديو كان هو ملك الترفيه بلا منازع بل يكاد يكون ايقاع اليوم مرتبطا ببعض برامجه، واجزم ان وجبة الغداء في تلك الصينية الدائرية اليانعه التي تحف جنباتها (طرقات) الكسرة المرصوصة بعناية قبل غزو الخبز كانت متزامنة عند كل الاسر مع برنامج عالم الرياضة وتقارير عبد الرحمن عبد الرسول ونتائج الدوري العاصمي وذلك التشويق المحبب لمعرفتها ونشرة الثالثة للاخبار كما كنا نعشق برنامج الراحل صلاح طه (من خارج الاستديو) و(الحان) لمعتصم فضل، وهوكذلك  حال برنامج المساء مع بروف عبد الله الطيب والشيخ صديق احمد حمدون ولسان العرب مع فراج الطيب وبعده نشرة الاخبار والتي بنهايتها يحول مؤشر الراديو بواسطة الوالد الي هيئة الاذاعة البريطانية لحاقا بنشرة الاخبار التي قد يكون مقدمها جميل عازر او ايوب صديق صاحب البصمة الصوتيه المميزة  والتي تذكرني ايضا بالبصمة الصوتية المميزة لعميد الفن السوداني الراحل احمد المصطفي.
ومشوار الصباح الي سوق الدويم كان من اهم مظاهرة حمل( قفة) الخضار المصنوعه في ذلك الوقت من السعف قبل ان تحول الي اكياس مصنوعه من فوارغ عبوات السكر والدقيق ومؤخرا حلت مكانها (مصيبة) اكياس البلاستيك ، وحمل القفة كانت من طقوسه السير خلف الوالد بكل تأدب فهو الذي يقوم بعمليات الشراء والمفاوضة وهو مشروع تدريبي بامتياز واسلوب الاجيال القديمة في تهيئة الابناء لتحمل المسئوليات واكتساب المعارف والمهارات، فالذهاب الي السوق خلف الوالد هو طريقة كل الاسر في ذلك الوقت وكان منظرا مألوفا للاجيال قبل طفرة تملك العربات او وسائل النقل المختلفة ، وكان يتم في الصباح الباكر ويسبق احيانا الذهاب الي المدرسة، فشتان مابين جيل اليوم الذي ينتظر الترحيل الي المدرسة القريبة وجيل الامس الذي كان يذهب راجلا من كل احياء الدويم الي قلعة بخت الرضا العريقة، وهي مسافة بعيدة للغاية خاصة لاجيال كانت تسكن في الاحياء الجنوبية او الجنوبية الغربية لمدينة الدويم كالحي الثامن وحي الموظفين وقشلاق البوليس وروتو.
هذه الهجرة اليومية طلبا للعلم كانت بها محطات في بعض دكاكين الاحياء لغرض شراء ساندوتش الفطور والذي كان حسب ميزانية الاسر نوعا وحجما ، وفي ذلك الزمان قد يكتفي الطالب بنصف رغيف  محشوة بالفول او حلاوة طحنية وكان ذلك يتم بالنسبة لبعض القادمين من الحي الثامن اوتلك الانحاء في دكان اليماني الدفاري  او ود الحنان ، والسير الي بخت الرضا كان في مجموعات ويمكنك ان تتخيل من كان في السنة الاولي او الثانية ابتدائي ويقوم بهذا المشوار يوميا مشيا ذهابا وايابا، علما بانه كان هناك ترحيل لابناء العاملين في المؤسسة الزراعية او (بورمل) الوالد العم الطيب علي امد الله في ايامه او اخرين كحيدر محمد ابراهيم وباصرو وهي وسائل لم تكن متاحة للكل ، فبناء قدرات الاجيال في بخت الرضا علي التحمل تبدا في عمر مبكر فهذا المشوار الطويل والذي كان ينجز وصولا في الميعاد وصوت جرس بخت الرضا الضخم والطابور الصباحي قبل بداية اليوم لكل الانهر في الساعه السابعه وخمس واربعين دقيقة  في كل فصول العام صيفا وشتاء وخريفا وبداية العام الراتبة في مطلع  يوليو من كل عام، وكل الاجيال التي قدر لها ان تنعم ببخت الرضا في ذلك الزمان الذي لايستطيع الانسان ان يوصف كل جماله ونداوته لاشك تتذكر العشرات من ميادين كرة القدم والسلة والطائرة والرنق وكرة الريشة وقاعة الجمنيزيم الضخمة وقاعة الرسم واعمال الطين وحوض السباحة  ومسرح بخت الرضا الشهير الذي قام علي اكتافه المسرح القومي ومساهمات الفكي عبد الرحمن (عمكم مختار) ود.احمد الطيب، واذكر ان الراحل الفكي عبد الرحمن رحمه الله عندما عكف علي كتابة تاريخ المسرح السوداني كان ضيفا راتبا علي مكتبنا في الخرطوم 2 مع الاخ الاستاذ كمال الطاهر المحامي الذي اتاح له مكتبا خاصا في البناية قضينا معه اياما جميلة وكان سعيدا للغاية عندما علم انني من الدويم، فكان كثيرا ما يسألني عن اهل الدويم وخاصة عن عمران العاقب وله تاريخ مهول عن بخت الرضا والدويم ، ويناديني دائما علي طريقته الجميلة (ياولد) واذكر عندما قصفت امريكا مصنع الشفاء وانتظمت المظاهرات كل السودان وخرجت لافتاتها ممتلئة حماسا بالويل والوعيد لامريكا كان عليه رحمة الله متابعا في تلفزيون المكتب لخبر احدي التظاهرات الغاضبة خارج الخرطوم ، والتفت الي بطريقته المسرحية الجميلة (ياولدي الناس ديل مودننا وين)، وهناك اجيال من ابناء الدويم قد عرفت وشاهدت الكثير من الالعاب والمسرحيات بل وشاهدت مباريات (التيلي ماتش) منذ ستينيات القرن الماضي  في بخت الرضا ضمن احتفالات اعياد بخت الرضا وكثير من الفعاليات التي لم تتعرف عليها الكثير من الانحاء والشعوب الا  سنوات وعقود بعد ذلك، بجانب العديد من المناسبات والاحتفالات الاخري كعيد العلم .. نعم... فلقد كان للعلم عيد في بلادنا!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق