الاثنين، 17 أبريل 2017

ايامي الفي الدويم (9) شارع ونجت باشا ..مجرة النجوم



ايامى الفى الدويم
كتابة تذكارية في الر‘جعي والحنين
محمد امين ابوالعواتك
9
شارع ونجت باشا .. مجرة النجوم

يطلق اسم ونجت قديما علي العديد من الشوارع في مصر والسودان ، والرجل هو ريجنالد ونجت حاكم عام السودان 1899-1916 ،وهو من اكبر الشوارع في مدينة الاسكندرية وكذلك في الخرطوم فلقد كان يطلق علي شارع البرلمان ، وفي مدينة الدويم اطلق الاسم ايضا علي الطريق الممتد من قلب حي الموظفين مرورا بالمستشفي ومؤسسة النيل الابيض الزراعيه والبنك الزراعي والمجلس البلدي والقضائية والذي فيه ايضا مدرسة الدويم الريفية العريقة مرورا بالسوق ومحطة اجب سابقا ويمر بالعديد من الاحياء من الاول الي الرابع حتي ام تكيلات القديمة ومدافن الدويم.
مولدي كان عصرا في هذا الشارع الاستثنائي شارع ونجت في منزل جدي سليمان حامد السباعي و كانت الوالدة متعها الله بالصحة والعافية  في معاودة لاحدي قريباتها بالمستشفي وفاجأها المخاض امام مدرسة الدويم الريفية في طريق العودة الي بيت والدها بالحي الثاني جوار المسجد الكبير في حلة السباعاب، وهو حي مكتظ بال السباعي مطعما بالقليل من الاسر الاخري، منهم ال شبيكة وال حسن قطان وال ابراهيم وهبة وال هباني باسرهم المختلفة وال الكوتش وال سليمان سالم  الذين اشتهر منهم الاخ الحبيب عوض الكريم سليمان ( ود النوبة) وهو اخ  في الرضاعة لاختي الكبري ، وايضا شقيقه المغفور له فخري تلك الروح اللطيفة وريحانة الحي وامهم حاجة سعدية بنت الرحمة عليها رضوان الله والعديد من الاسر الحبيبة والاسماء العظيمة وكذلك المتاجر في الناحية الشرقية من الجامع الكبير واشهرها احمد محمد خير وعثمان بادي وعطارة الحاج خليل وتلك الروائح العطرة المنبعثة من المكان والعديد من مقاهي ذلك الزمن الاثير، والي الشمال في شارع ونجت سكن ال حسن ابراهيم و دكان حاج عبد الرحمن الشهير والعديد من الاسرة العزيزة منهم التاجر الشهير المرحوم محجوب علي الشايقي والشيخ اب شنب وال التوم خليفة وال السبوعي وال عبد الله عطية الله وعلي البشير الفضل الذي قام بحفر كل ترع مشاريع الاعاشة واول من استقدم عمالة فنية من اهلنا الصعايدة من جنوب مصر للحفريات ومنزل الراحل توفيق خلق الله الحمودي ووالده اشهر صناع الاقمشة وتوفيق هو والد الفنانة ايمان توفيق وفريق الحلبة والكوميديا الجميلة و لاانسي عثمان صوفان وجلسة البصرة وورق الكوتشينة ، واهم شخصية لنا ونحن صغار في هذا الشارع كانت الاخ (فاراية) بسبب معاركنا وحربنا المستمرة معه، وتصتف اجمل بيوتات الدويم واهلها الاعزاء شمالا في هذا الشارع والذين مع عامل الزمن لا استطيع ان احصرهم جميعا لكن بالتأكيد لن اتجاوز اهرامات الدويم المرحوم احمد فضيل والمرحوم احمد سعيد وال الحاج صالح وال حسن النادي وال د.محجوب مصطفي وال عبد الله الامين حتي القرعاب والحربياب الاستاذ مصطفي ونجم الدين وخضر وال عامر بابكر.
اعود لخصوصية شارع ونجت واسميه شارع العظماء وابين مواقع النجوم منه علي مستوي قبة سماء الوطن الكبير في اجيال متعاقبة، فلقد ولد او عاش في هذا المكان وبهذا الشارع الزعيم الخالد محمد احمد محجوب الرمز الوطني الاديب والقانوني ورئيس الوزراء الذي يعود ارتباطه سكنا ونشأة وتعليما اوليا الي والدته المرأة العظيمة المحبة للدويم فاطمة بنت الامير عبد الحليم مساعد احد قادة المهدية في بحر ابيض  وشقيقة الدكتور عبد الحليم محمد احد الاباء المؤسسين لمهنة الطب في السودان، وكذلك رئيس وزارء اخر للسودان استظل بسماء شارع ونجت هو الاستاذ سر الختم الخليفة رئيس وزراء حكومة جبهة الهيئات التي اعقبت نهاية حكم الفريق ابراهيم عبود في اكتوبر 1964 وقد اطلقت عليه الصحافة السياسة في ذلك الزمان (سر اكتوبر).غير بعيد من هذين الرمزين بشارع ونجت عاش ونشأ القانوني والمشرع المستنير الاستاذ عبد المحمود الحاج صالح النائب العام الاسبق علي ايام الديمقراطية الثالثة ، ومن نجوم هذا الشارع العلامة حسين عبد العزيز من رواد الهندسة في السودان الذين اسسوا لصناعة البناء ونال ميدالية الموظف المثالي في المملكة العربية السعودية لاربع سنوات متتالية،ومن الاجيال الوسيطة في هذه المجرة المحتشدة بالنجوم الاستاذ حيدر التوم مساعد الامين العام السابق لهيئة علماء السودان الناشط الثقافي والفكري،وكذلك الخبير الاقتصادي العالمي والاداري المجود الاخ محمد المرضي التجاني الذي قاد حركة التطوير في صناعة السكر السودانية عبر كنانة ومنظمة السكر العالمية،وهذه بانوراما عجلي استعرضت شارع ونجت الزمان والمكان والانسان وان سقطت عن الذاكرة سهوا بعض الاسماء فمكانها ومكانتها موضع تقديرنا واحترامنا واعتزارنا.
وشارع ونجت عامر باهل التصوف بمختلف مشاربهم وتحتل الطرية الاحمدية موقع القلب فيه جنوبا عند ال ابوحسبو وشمالا ال الشيخ عوض الكريم وهو طريق الوالد عليه رحمة الله، وال السباعي هم من العمراب وينتهي نسبهم الي سيدي الشيخ حامد اب عصاة وجدي لامي هو سليمان حامد عبد الرحمن السباعي  وامه هي ام الحسن بت خليفة واشقاءه هم سكينة وزينب وستنا واخوته غير الاشقاء من امهم زينب حامد بت الشيخ  هم محمد(الانصاري) وفاطمة والحرم وجده عبد الرحمن وعباس هم اعمدة ال السباعي الاساسية  واعمامه هم محمد عبد الرحمن السباعي وعبد القادر عبد الرحمن السباعي وسليمان عبد الرحمن السباعي  والبدوي عبد الرحمن السباعي  وفرحولة عبد الرحمن السباعي اضافة الي والده حامد عبد الرحمن السباعي والد جدي سليمان حامد عبد الرحمن السباعي ومن هؤلاء الاجداد الكبار تاتي كل بطون ال السباعي الاخري والمعروفة لاجيال اليوم وجدتي لامي هي عائشة محمد يسن العبادي  من العبابدة ، فمن هذا البيت الكبير فقط خرجت علائق واوشاج نسب ومصاهرة  مع العديد من البيوتات التي لا استطيع ان احصرها مها اجتهدت، علي سبيل المثال العبابدة في ام درمان وال عوض الكريم حاج عبد الله وال همام وال الجاك ابو كيكي والجعليين  محمود محمد احمد وال الطيب عبد السلام وال حسوبة وال الشيخ السيد السماني والحربياب ال برجاس وال عبد القادر نور الهدي وعامر بابكر واللعوتاب وكل اللاحقين نسبا ومصاهرة من الاجيال الجديدة ، هذا حوش جدي سليمان حامد عبد الرحمن السباعي فقط ناهيك  عن بطون السباعاب الاخري في الشجرة الكبيرة اعلاه واصهارهم وانسباءهم وباختصار ان كل مدينة الدويم هم اهل بطريقة او باخري. من الاقدار العجيبة ان الشقيقة الاخري الصغري للوالدة كانت قد انجبت الاخ نجم الدين الجيلي الذي يسبقني مولدا بثلاث ايام فكان ان عادت القابلة (عشة علي) مرة اخري لذات المنزل او كما يحلو لنا ( بيت ناس حبوبة) ولعل التسمية كانت بسبب وفاة جدنا مبكرا قبل ولادتنا ، او هي العادة بان ينادي الولد او البنت لامها حتي اليوم، فال السباعي معروفين يمختلف بيوتهم وعوائلهم وقدموا الكثير من الاسماء علي المستوي المحلي والوطني  ويقف علي راسهم في المستوي القومي المغفور له حامد محمد حامد عبدالرحمن السباعي الشهير بحامد الانصاري  رجل الاعمال المشهور.



ايامي الفي الدويم (8) - مبيوع جاد الله وبرعي القانون





ايامى الفى الدويم
كتابة تذكارية في الر‘جعي والحنين
محمد امين ابوالعواتك
(8)
مبيوع جاد الله و برعي القانون
ا..
لكل مدينة سودانية ايقوناتها الشعبية الذين هم ملحها وفاكهتها علي السواء ...فجمال ارواحهم هو الذي يصنع هذا التناسق في التضاد ،فعندما يمر شريط ذكرياتهم  تجد نفسك تتبسم مسترجعا تلك المحطات الاثيرة  ، وهو ماحدث بالفعل في وفاة الراحل مبيوع جاد الله  احد ايقونات مدينة الدويم في مجالات مختلفة والذي شيعته دعوات اهل المدينة بالرحمة والمغفرة والرضوان  من كل اركان الدنيا.
اقول في هذه الرجعي والاستدعاء ان الراحل مبيوع ارتبط عند اهل الدويم  بالمواقف الكوميدية ذات الطبيعة الارتجالية التلقائية في سعيه الطبيعي العادي وهو ليس ممثلا او كوميديان بل هي منح ربانية في القبول لدي الناس وقد كان يعمل بهنة (النقاشة) ، اذكر اخر موقف لي مع المرحوم مبيوع كان في زواج في بيت ال احمد يوسف بالحي الثاني وهو منزل اخوتنا عبد الستار و(جنابو) عبد المحمود (شيريا) وكنا وقتها في اخر سنوات الدراسة في مصر وكانت شلتنا حاضرة اذكر منهم متوكل بكري الذي كان يجلس بجواري ومعه الاخ طارق حسين ومجموعه من الأصدقاء وأبناء الأهل وأولاد الحي الثاني، وكانت الحفلة (مدورة) وكعادة شباب تلك الحقبة كان الرقص والفرح يشوبه التهذيب قبل ظهور موضة (الكشف) بقليل والكشف كما شاع من بعد هو التخلي عن ذلك الوقار واطلاق العنان للجسم وبعض الاطراف في مجاراة الموسيقي بحرفية زائدة، وقمنا بعمل حلقة رقصنا الرجاليه مقرونة بالضحك والتعليقات وجلسنا نستمتع بمشاهدة رقص الجانب الاخر وكانت كل اعراس ذلك الزمان علي هذا النحو وكان اهل المغني في الدويم يتصدرهم الراحل ميرغني شنقر وخالد قدوني وعبد الله عبد المولي ومن مبروكة المجاورة الفنان الجيلي الشيخ واخرين.
وكان ان حضر الراحل مبيوع جاد الله وجلس بجوارنا الفة قديمة لمعاكساتنا المستمرة معه منذ الصغر عندما كان يعود الي الحي اخر اليوم (بكامل المزاج) ممارسا لهوايته في قراءة كشف الداخلين الي الجنة او النار من اهل الحي باسماءهم علي طريقة كشف (المهرجلين) المدرسي واحدا واحدا حتي وصوله الي رأس شارع بيتهم ويذيع نفسه في كشف الداخلين الي الجنة ويشكر الله باللغة الانجليزية ويختفي دخولا الي اهله. وفي تلك الحفلة كان مبيوع يمارس هوايته المحببة ايضا  في الكلام الظريف باللغة العربية الفصحي وهو اخر اندماج، وكان ان حضر الي الحفلة بعد ذلك اخي الاستاذ محمد الفاتح وهو معلم قديم متميز خرج العديد من الاجيال  وهو
في مزاج عالي كصاحبنا مبيوع ، وما ان رانا حتي  حضر تجاهنا مباشرة ووقف امامي ونظر الينا بتمحيص واحدا واحدا  وفوجئ بوجود مبيوع في وسطنا بحكم ان اغلب هؤلاء تلاميذه ولعل ما جال بخاطره ولم يقله : (انت المقعدك مع ديل شنو).
وصمت الجميع ومحمد الفاتح ينظر مطولا الي مبيوع دون ان يرف له طرف وهو واقف ومبيوع جالس في الكرسي يفعل مثل ذلك واستمر الامر لمدة ٥ دقائق قبل يبدأ المشهد الدرامي الذي لايزال يضحكنا حتي اليوم ولانزال نستخدم بعض مفرداته
قال الاستاذ محمد الفاتح لمبيوع بلغة دارجة :
(أقوم أديك بونيه باللفت؟

مع حركه خفيفة في جنبه الأيسر
فرد مبيوع عليه الرحمة مباشرة راسما حركته المميزة علي شفته العليا :

لماذا؟ وماهي الخطيئة التي ارتكبتها..
فلم يتمالك الجميع أنفسهم في ذلك الموقف الفكاهي وتعابير الاثنين الجسدية
رحم الله الروح الجميلة مبيوع جاد الله ونعزي انفسنا والاهل بالدويم والتحيه والتقدير للاخ الاستاذ محمد الفاتح ومتعه الله بالصحة والعافية
يا الله ان عبدك مبيوع كان يحسّن ظنه بك في دخول الجنة وأنك عند حسن ظن عبدك فأدخله الجنة.
الاخ الصادق  علم الهدي خبير الموارد البشرية في قطر وهو احد ابناء الدويم البررة قال لي انه زار الدويم بعد غياب طويل من السودان و قابل المرحوم مبيوع  في جامعة بخت الرضا و كان وقتها في زيارة لخطيبته و زوجته الان (ام ايمن) وسلم علي مبيوع  بحرارة (ازييييك يا مبيوع) .. فرد عليه ببرود غريب مما دعي بعض الحضور للتدخل ومعاتبته علي بروده في الرد، قال ليهم (قولو ليهو مامبيوع اسمي هيثم)..
قلت للاخ الصادق بالفعل انه كان معروفا للبعض عندما يمازح ان اسمع (الدلع) الخاص به هو هيثم واحيانا لؤي.
من مواقفه الكوميدية ماذكره الاستاذ عصام عبد الرحمن السيد:
كان مرة في احدي مباريات كرة القدم والتي كان معروفا فيها بلياقته الجيدة وتشتيته للكرة، وكان ان تم الاعتداء عليه في لعبة خشنة  المته للغاية، قال لهم  (قلبتوها كسر) فما كان منه الا وقام بخلع حذاء الكرة  ورماه بعيدا واتاهم يجري حافيا ، وكذلك ما ذكره الاخ ابوبكر ابراهيم الطيب :
 في احدي إجازتهم في مدينة الدويم كانوا يلعبون (الدافوري) وكان مبيوع معهم في فريقهم وتبقت اربع دقائق علي نهاية المباراة وكانوا مهزومين (  ١١ مقابل صفر )  ضحك المرحوم وقال لهم : (شدو حيلكم ان شاء الله بندرن)
وقال لي الصحفي بمجموعة الشرق الاوسط محمود لعوته انه جلس ذات مرة في جدة الي رجل الاعمال صلاح ادريس الذي قال له انه في احدي زيارته للدويم طلب رؤية مبيوع وأسرع البعض لإخباره ان صلاح ادريس يطلبه ففاجأهم : (لو عاوزني يجيني)!!
 الموسوعي عباس لعوته قص علي مؤامرة  تسجيله لفريق الوطن التي حبكها العم الراحل الشيخ محمود واخرين عندما احضروا عجلة جديدة من دكان المغفور له حاج الماظ  له لإكمال تسجيله  فدخل ووقع  وعندما خرج وجد العجلة مقفولة بالمفتاح الذي اعيد لصاحبها!!
الا ان اكثر ما اضحكني هي حكايته مع برعي احمد البشير ( القانون) لاعب
المريخ العاصمي الشهير عندما حضر للعمل في الدويم وطاردته أندية الدويم للتسجيل فيها خاصة قمة المدينة الإشبال والوطن فرفض برعي متسائلا ( البلد دي مافيها مريخ) وكان ان تسجل في مريخ الدويم وزامل مبيوع ولعبا سويا وفي احدي المباريات لعب برعي لمبيوع (باص قون خطير) وقام مبيوع بإهدار الفرصة برعونة شديدة حيث طاشت تسديدته تجاه  (راية الكورنر) بدلا عن المرمي
فقال له برعي : ( ده شنو يا مبيوع )!!
 فعاجله مبيوع بكل الثقة ( الباص غلط يا كابتن)
رحم الله مبيوع كم اسعد الناس حيّا وميتا و تابعت سيل الدعوات له بكل الحب يوم رحيله من اهل الدويم اللهم ارحمه واغفر له وتقبله قبولا حسنا برحمتك يا ارحم الراحمين ولاشك ان أهله وأحبابه لديهم الكثير من هذه السيرة العطرة.

ايامي الفي الدويم(7) عوض (دوسو) و عوض (داف)





ايامى الفى الدويم
كتابة تذكارية في الر‘جعي والحنين
محمد امين ابوالعواتك
(7)
عوض (دوسو) و عوض (داف)

اسرتنا لها تاريخ مع تربية الانواع الجيدة من الحيوانات الاليفة خاصة تلك التي تشتهر بالوفاء بحكم تنقلنا مع الوالد كما اسلفت في الاجزاء السابقة من هذه السلسلة وفي مناطق شدة متعددة وعند عودتنا للدويم من الابيض كان معنا (نسو) الذي له صولات ومعارك مع العديد من الاهل والاصدقاء  واذكر مرة ان غرز اسنانه في ابن عمتي الصحفي محمود حسن لعوته وسمع والده المغفور له حسن لعوته بالموضوع فكان ان علق له قائلا( انت خالك التجاني ده  مربي ليهو كلب اصلو عندو بقر) وكان هناك حدث يومي في شارع منزلنا بالحي الثامن قبل اذان الفجر ومشوار السوق الصباحي، نباح (نسو) علي وقع صوت خطوات جدنا احمد السباعي رحمه الله الذي كانت له طريقة مشي معروفة وهو في طريقه اليومي الي سلخانة الدويم فجرا، و كان شيخ الجزارين جدنا مصطفي السباعي وكان ذبيح الجمعه مخصص لجدي سليمان حامد السباعي تاجر المحاصيل والمواشي وسار علي ذلك العديد من الاجداد والاباء اذكر منهم اجدادنا محجوب واحمد رحمهم الله واخوالنا عمر يوسف وابراهيم سليمان والكثير من الاهل والاخوان والابناء، وبعد ذلك بقليل تداهمك في سريرك اصوات تسخين جارنا عوض احمد لماكينة عربة النقل  خاصته ماركة (داف) الالمانية الشهرية والتي جلبها مجلس المدينة لتحل محل الاسطول القديم ، فاقترن اسم جارنا العزيز الراحل عوض احمد بها فاصبحت شهرته (عوض داف) وهو من ابناء بحري وتزوج حفيدة الشيخ الريح السنهوري ووالدها عبد الرحمن النعيم وهي اسرة كبيرة اشتهر منهم المرحوم بابكر الشيخ الريح عميد الاسرة والد الاستاذة الوزيرة الولائية اشراقة بابكر الريح خريجة مصر ومن نفس البيت خرج الاستاذ الصحفي عادل الباز ويوسف ود السرة وغيرهم؛ وقد ورث عوض داف ابناءه  خالد واحمد واسامة محبة قيادة السيارات ولا ادري ان تسلل الفايروس الي هيثم والسر وفقدت الاسرة والدويم شقيقهم الاصغر الريحانة بابكر رحمه الله رحمة واسعة.
ومشوار السوق الصباحي في الشارع قبل الاخير من الجنوب في الحي الثامن والذي بدايته مدرسة خليل الثانوية العامة بنات ونهايته سوق الدويم هو نموذج لكل احياء وبيوت الدويم فبمجرد خروجك تقع عيناك علي الاخ فتاح ود الزهارين تلك العائلة الكبيره المعروفة في الدويم وتاريخها، فلقد كان يعمل زمانا طويلا في مكتب التعاون الذي كانت مكاتبه مستأجر لها منزل (اب ضلع) المجاور لنا وهو مسرعا بجلابيته البيضاء لفتح المكاتب قبل حضور الموظفين وهو رجل مهذب خلوق، وتلمح من بعيد المرحوم عباس دهب بجلابية الختمية او ابناءه  علي و عثمان، والرجل الصالح الوالد ابوعاقلة عبد الله وهذه الاسرة العريقة التي فيها العم محمد حمدان رحمهم الله وابناءهم ويكون وقتها المغفور له العم محمود القطينابي رافعا يديه بالتحية  متوجها الي السوق متأبطا عصاه وتتقدم قليلا لتجد العم الاسطي شقاق وولده جعفر في كامل جهوزيتهم وعدة البناء والسلالم متوجهين الي موقع عمل ويكون ميرغني قد سبقهم الي مكان عمله بمستشفي الدويم ، وياتيك من جهة اليسار صوت الحاجه السارة بت الخير متعها الله بالصحة والعافية وهي تذكر الكوتش المغفور له الفكي الريس بطلب اضافي ليحضره معه من السوق والراحل الخال برير الانصاري متزوج من اختها عائشة وكان دائما مايكون متخفيا في منازلنا عندما يكون مطلوبا بواسطة الاجهزة الامنية ككادر شيوعي معروف ، وال الريس ايضا من الاسر العريقة بالدويم واشتهروا في الرياضة والتعليم وقدموا العديد من اللاعبين الافذاذ في مدينة الدويم منهم الخلوق عبده الريس والبعيو في الوطن و عبد الخالق في الشاطئ وحامد في الاشبال وبقية العقد الفريد الريح وفتحي وكذلك الكوتش الفكي وابناءه المغفور له حامد وعادل وبدر الدين ومستعين ، وفي مقابل منزل الفكي الريس كان منزل العمة عشة فضلو وابنتها الكبري هي احدي ثناني النغم المعروف وكما كان ايضا في هذا الشارع وفي احد منازل التاجر المعروف المغفور له الامين عبد السلام  احدي الشركات الرش الزراعي وكان يعمل فيها ايضا الفنان الكبير احمد الطيب الذي احي حفل ختان اخوتي الكبار وحضر رفقة مع العم الشيخ محمود ، وتمر بجانبك عجلة علي ظهرها العم المغفور له علي جعفر مسرعا الي مطعمه والعم علي من ظرفاء الدويم وكان مع اخاه عمر جعفر وابناءهم وال الاذان الجيرة الطيبة المباركة التي لانزال ننعم بصلاتها الدافئة ، وعند تقاطع ال محمد امام الذين اشتهر منهم في القوات المسلحة بكري وعمرين وعثمان كلاعب مشهور في الوطن لابد ان تصادف  حاج الماظ عليه رحمة الله والد الحكم الدولي السابق احمد الماظ  او احد ابناءه البررة او العم المغفور له صابر حامد يرافقه ابنه الدفعة الصديق الاصم او حامد او الصغير محمد وهذه الاسرة لها تاريخ حافل مع جنوب السودان والدول الافريقية المجاورة له والتجارة والترحيلات فيها وبحكم علاقة الصداقة مع الاخ الاصم فقد جلست مرات كثيرة مع الوالد صابر حامد وحتي في زياراتي من بعد للمدينة فهذه الدار محطة دائمة لي لابد من المرور بها ، وفي نفس المكان علي اليسار قد تصادف الوالد المغفور له الموسوعي المثقف جبر الدار ولكن من المؤكد انك لن تفوت سماع الصوت الجهور للعم بابكر الهادي وقد كنا زمالة مع ابنه محمد في الدويم الريفية ومشاوير اليوم الدراسي والمذاكرة فيها ليلا، وفي ذلك الزمان كان فنان الدويم سلامة القرعابي قد افتتح اعمال سلامة الفنية في الدكان المقابل لهم وهو الان ينثر في فنه بالسعودية والذي تحول من بعد الي العم النجار المرحوم الطيب خضر رحمه الله وكان ابنه خضر يساعده فيه وقد علمت لاحقا بانه التحق بالعمل في تلفزيون السودان، وهكذا تمر بكل معالم الشارع مرورا بالعم يونس ونسيبه حامد عبادي وال ابراهيم جاد الله وال بدوي السيد الذين اشتهر منهم نجدي لاعبا مبرزا في ميادين كرة القدم  في نادي النيل ثم الاشبال ولعبنا سويا في تمارين الجعيلي ايضا ، و الاسرة العريقة الاشقاء عبد القادر ويوسف موسي رحمة الله عليه  وبرز منهم فوزي و الاستاذ عبد الحفيظ عبد القادر المحامي المعروف وال الصول ولاننسي الفنان الكبير الراحل مهدي الصول الذي توفي في ريعان شبابه وهو نسخة مطورة من الفنان الراحل العميري وكل من لم تسعفني الذاكرة في تذكره ولكن بالتاكيد لن تتجاوز الذاكراة احد ايقونات هذا الشارع ومعلمه البارز الاخ (عوض دوسو)  والذي هو في مخيلتنا منذ الصغر بتلك الهيئة المهابة من الجسم الرياضي الضخم الذي صقلته مهنته في بناء الهياكل الحديدية لعربات الفورد في ورشة عبد الباسط بعد تاريخ رياضي حافل في ام درمان والدويم في النيل ولبسه المميز بالرداء ذو اللون الكاكي  كينفورم عمل وقد عشق الدويم واهلها واختارها وطنا.



ايامي الفي الدويم (6) بخت الرضا والفكي عبدالرحمن




ايامى الفى الدويم
كتابة تذكارية في الر‘جعي والحنين
محمد امين ابوالعواتك
(6)
بخت الرضا...والفكي عبد الرحمن
من اللحظات التاريخية التي لاتنسي لاي جيل من الاجيال في كل المدن السودانية بلا استثناء وليس الدويم فحسب هي فترة الصبا  ، ومشوار الصباح فيها الي السوق بغرض شراء الاحتياجات  المنزلية والتي كانت تتم يوميا في ذلك الزمان، فلم تكن الثلاجات منتشرة في كل البيوت وهكذا حال اجهزة التلفزيون، فالراديو كان هو ملك الترفيه بلا منازع بل يكاد يكون ايقاع اليوم مرتبطا ببعض برامجه، واجزم ان وجبة الغداء في تلك الصينية الدائرية اليانعه التي تحف جنباتها (طرقات) الكسرة المرصوصة بعناية قبل غزو الخبز كانت متزامنة عند كل الاسر مع برنامج عالم الرياضة وتقارير عبد الرحمن عبد الرسول ونتائج الدوري العاصمي وذلك التشويق المحبب لمعرفتها ونشرة الثالثة للاخبار كما كنا نعشق برنامج الراحل صلاح طه (من خارج الاستديو) و(الحان) لمعتصم فضل، وهوكذلك  حال برنامج المساء مع بروف عبد الله الطيب والشيخ صديق احمد حمدون ولسان العرب مع فراج الطيب وبعده نشرة الاخبار والتي بنهايتها يحول مؤشر الراديو بواسطة الوالد الي هيئة الاذاعة البريطانية لحاقا بنشرة الاخبار التي قد يكون مقدمها جميل عازر او ايوب صديق صاحب البصمة الصوتيه المميزة  والتي تذكرني ايضا بالبصمة الصوتية المميزة لعميد الفن السوداني الراحل احمد المصطفي.
ومشوار الصباح الي سوق الدويم كان من اهم مظاهرة حمل( قفة) الخضار المصنوعه في ذلك الوقت من السعف قبل ان تحول الي اكياس مصنوعه من فوارغ عبوات السكر والدقيق ومؤخرا حلت مكانها (مصيبة) اكياس البلاستيك ، وحمل القفة كانت من طقوسه السير خلف الوالد بكل تأدب فهو الذي يقوم بعمليات الشراء والمفاوضة وهو مشروع تدريبي بامتياز واسلوب الاجيال القديمة في تهيئة الابناء لتحمل المسئوليات واكتساب المعارف والمهارات، فالذهاب الي السوق خلف الوالد هو طريقة كل الاسر في ذلك الوقت وكان منظرا مألوفا للاجيال قبل طفرة تملك العربات او وسائل النقل المختلفة ، وكان يتم في الصباح الباكر ويسبق احيانا الذهاب الي المدرسة، فشتان مابين جيل اليوم الذي ينتظر الترحيل الي المدرسة القريبة وجيل الامس الذي كان يذهب راجلا من كل احياء الدويم الي قلعة بخت الرضا العريقة، وهي مسافة بعيدة للغاية خاصة لاجيال كانت تسكن في الاحياء الجنوبية او الجنوبية الغربية لمدينة الدويم كالحي الثامن وحي الموظفين وقشلاق البوليس وروتو.
هذه الهجرة اليومية طلبا للعلم كانت بها محطات في بعض دكاكين الاحياء لغرض شراء ساندوتش الفطور والذي كان حسب ميزانية الاسر نوعا وحجما ، وفي ذلك الزمان قد يكتفي الطالب بنصف رغيف  محشوة بالفول او حلاوة طحنية وكان ذلك يتم بالنسبة لبعض القادمين من الحي الثامن اوتلك الانحاء في دكان اليماني الدفاري  او ود الحنان ، والسير الي بخت الرضا كان في مجموعات ويمكنك ان تتخيل من كان في السنة الاولي او الثانية ابتدائي ويقوم بهذا المشوار يوميا مشيا ذهابا وايابا، علما بانه كان هناك ترحيل لابناء العاملين في المؤسسة الزراعية او (بورمل) الوالد العم الطيب علي امد الله في ايامه او اخرين كحيدر محمد ابراهيم وباصرو وهي وسائل لم تكن متاحة للكل ، فبناء قدرات الاجيال في بخت الرضا علي التحمل تبدا في عمر مبكر فهذا المشوار الطويل والذي كان ينجز وصولا في الميعاد وصوت جرس بخت الرضا الضخم والطابور الصباحي قبل بداية اليوم لكل الانهر في الساعه السابعه وخمس واربعين دقيقة  في كل فصول العام صيفا وشتاء وخريفا وبداية العام الراتبة في مطلع  يوليو من كل عام، وكل الاجيال التي قدر لها ان تنعم ببخت الرضا في ذلك الزمان الذي لايستطيع الانسان ان يوصف كل جماله ونداوته لاشك تتذكر العشرات من ميادين كرة القدم والسلة والطائرة والرنق وكرة الريشة وقاعة الجمنيزيم الضخمة وقاعة الرسم واعمال الطين وحوض السباحة  ومسرح بخت الرضا الشهير الذي قام علي اكتافه المسرح القومي ومساهمات الفكي عبد الرحمن (عمكم مختار) ود.احمد الطيب، واذكر ان الراحل الفكي عبد الرحمن رحمه الله عندما عكف علي كتابة تاريخ المسرح السوداني كان ضيفا راتبا علي مكتبنا في الخرطوم 2 مع الاخ الاستاذ كمال الطاهر المحامي الذي اتاح له مكتبا خاصا في البناية قضينا معه اياما جميلة وكان سعيدا للغاية عندما علم انني من الدويم، فكان كثيرا ما يسألني عن اهل الدويم وخاصة عن عمران العاقب وله تاريخ مهول عن بخت الرضا والدويم ، ويناديني دائما علي طريقته الجميلة (ياولد) واذكر عندما قصفت امريكا مصنع الشفاء وانتظمت المظاهرات كل السودان وخرجت لافتاتها ممتلئة حماسا بالويل والوعيد لامريكا كان عليه رحمة الله متابعا في تلفزيون المكتب لخبر احدي التظاهرات الغاضبة خارج الخرطوم ، والتفت الي بطريقته المسرحية الجميلة (ياولدي الناس ديل مودننا وين)، وهناك اجيال من ابناء الدويم قد عرفت وشاهدت الكثير من الالعاب والمسرحيات بل وشاهدت مباريات (التيلي ماتش) منذ ستينيات القرن الماضي  في بخت الرضا ضمن احتفالات اعياد بخت الرضا وكثير من الفعاليات التي لم تتعرف عليها الكثير من الانحاء والشعوب الا  سنوات وعقود بعد ذلك، بجانب العديد من المناسبات والاحتفالات الاخري كعيد العلم .. نعم... فلقد كان للعلم عيد في بلادنا!