الاثنين، 21 أغسطس 2017

الاصيص والنفايات


محمد امين ابوالعواتك

الاصيص والنفايات 
 محمد امين ابوالعواتك
ما اعطاه الله لانسان السودان من تنوع في الخيرات من الشجر والحيوان واشكال المنح الطبيعة كالانهار والسهول والوديان والصحاري والجبال لاتجد له نظير في كل الدنيا، وايات ربك في قرانه المجيد فيها خير الحديث (وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها) والتي يحلو تدبرها وانت تستكشف ابعاد الجمال في بلادي.
هل ارجعنا البصر كرتين تدبرنا في جغرافيا بلادي ومناخاتها و العدد الكبير من الانهار الدائمة او الموسمية والبحيرات والخيران والشلالات ومخزونات المياه؟  وفي نوع الثمار من زرع الخضر والفاكهة ومنتجات الغابة السودانية؟ ومثل ذلك من بهيمة الانعام؟
جمال بلادي وسر العطاء الالهي الاكمل لها قد عرفته وعشقته منذ الصغر وانا ابن موظف الخدمة المدنية المنصاع انضباطا (لتلغراف) تنقلاته ثقة في النظام الذي لم يعرف وقتها ولاء سوي الوطن ولم تقبح اخلاقيات خدمته المدنية صغار في النفس وفي الامانة والاهم كذلك مع نظافة جوهر العمل الشغف بنظافة المكان والمحيط اين ماوجد ، جمال بلادي تكحلت عيناي به في بخت الرضا وذلك المعمار الانجليزي الراقي وقبل ذلك تصالح الانسان سلوكا مع البيئة والنظافة واعتناق ثقافتها  في جماليات الطبيعة من الزهور والفن والتشكيل  وجميع انواع الرياضات ، جمال بلادي اعرفه منذ الصغر في بواديها  تلمسا للرزق الحلال من صيد طيور الحبار والقطي وغيرها  وعودتنا عند الغروب الي ذلك البيت الحكومي الصغير في طرف احدي قري بلادي الجميلة، جمال بلادي رايته وانا اقطع وديان  كردفان علي ظهر ذلك (اللوري) وهي تمتد بلا انتهاء ودهشة اشجار التبلدي العملاقة ،جمال بلادي مرسوم في دواخلي كخريف كردفان شمالها وجنوبها وذلك البساط الاخضرالممتد الي اعماق دواخلك والذي تماثله من الضفة الاخري  قضارف الخير وسهول القدمبيلة وشموخ توتيل وجنان النيل الازرق القديم الكبير.
فالخالق اجزل عطاءه لنا في هذه الجغرافيا كما انني لن ازيد افاضة في عراقة انسان بلادي وحضاراتها قديما  في نهر النيل والشمال والتي حكمت حتي فلسطين  وكذلك في دارفور التي كانت تغيث شعوب سنويا في محمل مشهور ولن اتحدث عن اهرامات الاجداد في البجراوية وصناعات مروي وغيرها   ففي الحلق غصة وفي القلب الم...ماذا حدث لنا!!؟
 ولماذا تحولنا الي النقيض؟من اين اتي هذا السلوك البدائي ضد الحضارة والذي صار ثقافة عامة وفوضي في السلم الاجتماعي و ضد النظافة وضد الجمال؟ كيف عاد فينا انسان الغاب ؟ نحن نفتقد اساسيات  التعامل وفقراء جدا في حقوق الاخر وفي الذوق العام والبيئة العامة.
نملا الدين ضجيجا في فهمنا المحدود والمحدد (بوسع فهمنا) للدين ونلبسه القداسة ونحارب به الاخر، وتغيب عنا ادني شعب الايمان في الدين الذي هو المعاملة وحسن الخلق وهي اماطة الاذي عن الطريق..والنظافة من الايمان !!!
 فنحن نكاد نكون في المرتبة الاولي بين الشعوب التي تتحول فيها اصيص الزهور في الشارع العام أوالاماكن العامة الي مكبات للنفايات والاكثر اتلافا وتخريبا للجماليات والذوق العام!!
لدي مساجلات مع الصديق الصحفي الدكتور عصام محجوب الماحي والذي هو مقيم في بوخارست - رومانيا  والتي كانت ضمن  المعسكر الشرقي قبل انتهاء الحرب الباردة وتصدع جدار برلين رغم فدائية  شاوشيسكو، والتي هي من احب العواصم الي قلبي وازورها باستمرار،وكنا نتحدث عن ممارسة الرياضة فقلت له : انتم اهل المهجر سعداء بان استوطنتم في بلاد عرف اَهلها دروب المدنية من زمان بعيد  ، وجسدوا معني الدين المعامله واعتنقوه في الارض.  تحقيقا لمعاني الاستخلاف فصاروا ألفة مع الانسان والحيوان والشجر

وعلي الرغم من شهرة تلك البلاد باشكال متعددة من بديع الخلق الالهي الا انني ادوب عشقا في حدائقها المهولة ومسارات محبي الرياضة وقيادة الدراجات فيها وامتدادات غاباتها البديعة وبحيراتها التي تحيط بالمكان ابداع وصناعه ذلك الرجل الذي شكل ملامح نهضتها شاوشيسكو الذي زرت داره اعجابا بما أنجز لبلاده ولما تركه من اثار وصناعات وعلاقات وحضارة رغم وجود وجهة نظر اخري متعلقة بالحرية وهي اكبر مسالبه..  
اعشق التجوال في تلك الحدائق والتي هي في الحقيقة متعددة الأهداف ففيها المسارح والمعارض والفرق الغنائية والمطاعم والرياضة بكل أنواعها وفيها الزوايا المنعزلة لمحبي المطالعة او التخييم وعشاق المشي والتنزه مع حيواناتهم الأليفة ، لكن ما يشدك بالفعل النظافة  وسلوك الانسان تعاملا مع كل شئ والابتسامات تعلو الوجوه تصالحا مع المحيط والطبيعة. قلت لصديقي مستطردا بانني قد خضت تجربة المشي في شوارع الخرطوم مع صديق اخر في أماكن منعزلة من ارصفة الخرطوم النادرة الوجود والتي ظهرت مؤخرا ، لكن للاسف سرعان ما يقلل من عزمك حالتها  وسلوك الانسان عندنا تخطيطا وتنفيذا وتعاملا..

الارصفة في حالة يرثي لها علي الرغم من انها جديدة وتم إنجازها مؤخرا لكن بدون مواصفة وقد ينتهي بك الامر اذا لم تنتبه في حفرة ما اختفي غطاءها و أوجدت بسبب محاولة تصريف مياه الي مكان ما او لعمل لافتة ضخمة في وسط المدينة ، حتي صارت المدينة غابة من الحديد (الاسكراب) في اكبر عملية (تشويه بصري) متعمد بغرض الجبايات!!
لن اتحدث عن ترف التخطيط للمشأة او اهل رياضة الدراجات والتي اختفت عندنا وسيطرت افة الهند  للقرن العشرين  (التك تك او الركشات) ولا اتحدث هنا عن العامل الاقتصادي المشروع لاصحابها الشرفاء ...بل اتحدث عن فوضي الشارع والترخيص والتخصيص حتي صارت قيادة السيارات معها مستحيلة او حتي رياضة المشي  ، ولا انسي منظر تلال الانقاض او للاسف النفايات امام ذلك البيت الأنيق او حتي محل بيع الاطعمه الذي تصالح منذ مدة مع جيوش الذباب!!
شيدوا مكانا جميلا يتيما بمضمارللرياضة  جوار المطار في الساحه الخضراء لكن بلمحة واحدة للزحمة علي بواباته تكفي لتنصرف عن المكان الذي أصبح ملتقي للاسر والاصدقاء من الذين تتوق أنفسهم الي متنفس في متناول اليد والميزانية (الشهيدة) في وطن المليون ميل الا ثلث!!
جربت كذلك ياصديقي الرياضة في شوارع جانبيه نائية لكن من مسالبها ان لم يكن ظلام المكان رغم توفر أعمدة الإضاءة فقد يكون السبب احد الكلاب التي استوطنت بعض الدور ليلا وينتهي بك الامر بالاحماء مبكرا هروبا في مطاردة ليلية لم تختر جيدا زمنها ومكانها ..
اتذكر في آسي الجمال المهدر الذي اعلمه عن بلادي والذي اجزل فيه الخالق العطاء لنا والذي هو في دواخلي وجدانا وحبا وتمني والاسي سببه التسأؤل عن لماذا؟ والاجابة التي اعلمها ومسئوليتنا فردا فردا عن هذه (الاعاقة الحضارية)  الا ان يقيني يقول لي بان لهذه الجفرافيا الجميلة لم يات من يستحقها بعد!!
واخيرا من ينظف الاصيص الاكبر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق